بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إنفلونزا الخنازير".. فتش عن مافيا الدواء العالمي
[14:13مكة المكرمة ] [12/10/2009]
إنفلونزا الخنازير" ساهمت في انتعاش سوق الأدوية
كتب- أحمد التلاوي:
تصاعدت في الآونة الأخيرة مجموعةٌ من النقاشات في شأن الموضوع الأهم- ربما- بالنسبة للرأي العام العالمي في هذا التوقيت؛ وهو موضوع انتشار مرض إنفلونزا الخنازير بشكل وبائيّ على مستوى العالم، بما أعاد إلى أذهان العالم ذكريات مخيفة عن انتشار وبائيّ مماثل لمرض الإنفلونزا الإسبانية في العقد الثاني من القرن العشرين، والذي أدَّى إلى وفاة حوالي 50 مليون شخص عبر العالم.
ويزيد من وطأة المخاوف العالمية في هذا الإطار؛ التشاؤم الذي أبدته منظمة الصحة العالمية (WHO) حيال المرض طيلة الأشهر التي تلت تفجر الأزمة التي بدأت في المكسيك ربيع العام الجاري.
فبعد أنْ رفعت المنظمة في شهر يونيو الماضي مستوى التحذير من الوباء إلى أقصى درجة على مقياسها المؤلف من ست درجات؛ قالت المنظمة قبل أيام إنَّ التقليل من مستوى التحذير من الفيروس المسبب للمرض من وباء إلى إنفلونزا موسمية "قد يتطلب سنوات".
كما أنَّ عدم استطاعة شركات الأدوية والمعامل الحكومية العالمية التوصل إلى مصل أو لقاح ضد المرض دفع التشاؤم من الوضع إلى مستوياته القصوى، خصوصًا مع بلوغ حالات الإصابة بالمرض أعدادًا قُدِّرَت بمئات الآلاف، مات منها 4500 شخص على الأقل، والمشكلة أنَّ غالبية الإصابات والوفيات وقعت في بلدان مُتطوِّرة في المجال الطبي، ولا تعاني من الظروف البيئية أو الصحية والاجتماعية التي تشجع على انتشار المرض.
فأغلب الإصابات توجد في أمريكا الشمالية، في الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، بالإضافة إلى بريطانيا وهونج كونج واليابان والدانمارك.
والمدهش أنَّه في المقابل لا تبدو المشكلة بهذا الحجم في البلدان النامية، وفي رأي الخبراء؛ فإنَّ هذا يعود إلى أنَّ غالبية هذه البلدان إنما هي بلدانٌ عربيةٌ وإسلاميةٌ؛ حيث تتراجع مستويات التعامل مع الخنازير، الناقل الأول والرئيسي للفيروس، كما أنَّ مناخات هذه البلدان لا تشجع على انتقال الفيروس، كما ثبُتَ علميًّا أنَّ الوضوء، كأحد ممارسات النظافة المستمرة، يقلِّل من فرص انتشار الفيروس، برغم التجمعات التي تحدث في المساجد ودور العبادة.
تحوُّر الفيروس
فيروس إنفلونزا الخنازير كما يبدو تحت المجهر
ولكن المشكلة الأكبر التي ظهرت خلال التعامل مع حالات الإصابة بالمرض عبر العالم؛ تأتي من ظهور بعض الحالات التي تسير إلى وجود سلالات متحورة من الفيروس (H1N1) المسبب للمرض، لا تتأثر بالعقار "تاميفلو"، الأكثر استخدامًا حتى الآن في علاج المرض.
وتأتي خطورة هذه الحالات كونها ظهرت لدى أفراد لم يسبق لهم تلقي علاجات بهذا العقار، وهو ما يعني أنَّ السلالة لم تتحور تحت تأثير التعاطي الطبي معها، بل تحورت لظروف جينية غير معروفة، كما أنَّه لا يوجد خريطة انتشار محددة لا للمرض ولا لسلالاته غير المعروفة؛ حيث ظهرت هذه الحالات في أوروبا وفي آسيا، كما في الدانمارك واليابان.
وفي هذا الإطار؛ فإنَّ المخاوف تزداد، ولا يبدو أنَّ هناك فاعلية للإجراءات الرسمية التي تتبناها الحكومات في التعامل مع هذه المشكلة؛ حيث يبدو الأمر وكأنها تحارب أشباحًا!!
مشكلة اللقاحات
ضمن توصياتها ونصائحها المستمرة منذ بداية الأزمة، قالت منظمة الصحة العالمية إنَّ هناك ضرورة لتعميم التطعيم ضد الفيروس الجديد في نصف الكرة الأرضية الجنوبي، قبل حلول موسم الإنفلونزا التقليدي في العام القادم 2010م؛ حيث إنَّه من بين اللقاحات المطلوبة ضد ثلاثة أنواع مختلفة من الفيروسات يكون اثنان منها ضد مرض الإنفلونزا الموسمية العادية، بينما الثالث يجب أنْ يكون ضد إنفلونزا الخنازير.
ولكن المشكلة ليست في عدم كفاية إنتاج شركات الأدوية في مختلف أنحاء العالم لتغطية عموم سكان الكرة الأرضية البالغين ما بين 6.8 مليارات إلى 7 مليارات نسمة؛ ولكن المشكلة الحقيقية في طبيعة تعامُل شركات الأدوية نفسها مع هذا الملف؛ حيث إمَّا لا ترغب بعض هذه الشركات في علاج فعال أو حلّ جدِّيّ للأزمة، أو قد يشوب تعاملها في هذا الملف فسادًا ماليًّا وأخلاقيًّا.
فشركات الأدوية تزعم أنَّها لا يمكنها إنتاج سوى ثلاثة مليارات جرعة من اللقاح الواقي من إنفلونزا الخنازير، وتتحجج بأنَّ الطاقة العالمية لإنتاج لقاحات الإنفلونزا "محدودة وغير كافية وغير قابلة للزيادة بسهولة"، كما أنَّ هذه الأرقام- المليارات الثلاث- تمَّ حجزها بالفعل للدول الكبرى؛ حيث اشترت الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرها من بلدان الغرب المتقدم- مقدمًا- أكثر من 80% من هذه الكمية.
فيما تستمر الأوضاع في البلدان النامية تسير نحو هاوية، خصوصًا إذا ما عرفت انتشارًا وبائيًّا للمرض؛ حيث لا توجد لديها مظلةٌ مناعيةٌ أو غطاءٌ صحيٌّ يَحوُل دون انتشار سريع للمرض، كما أنَّ سكان الدول الفقيرة يعانون من أمراض تزيد من مساحة فتك الوباء، مثل سوء التغذية والسكر ونقص المناعة.
إلا أنَّه- للحقيقة- تحاول منظمة الصحة العالمية توفير اللقاح بالمجان لـ100 دولة فقيرة، ولكن حجم ما سوف يتم توفيره من هذه اللقاحات؛ سيكون لحماية العاملين في القطاع الصحي من الإصابة بالعدوى.
دواء يُشوِّه.. ويقتل!!
"الثاليدومايد" تسبب في ميلاد أطفال مشوهين
في عقد الخمسينيات الماضي ظهر إلى الوجود عقار يٌدعى الثاليدومايد (Thalidomide)، هذا العقار كان يوصف للحوامل، لعلاج بعض أعراض الحمل مثل القيء، ولكن هذا العقار الذي سوقته الشركة المنتجة على أنَّه دواءٌ مهدئٌ، تسبب في ميلاد جيل كامل من الأطفال المشوهين في أوروبا، وكانت غالبية أشكال هذا التشوه هو ميلاد أطفال بأطراف مفقودة، أو ما يُعرَف في العلوم الطبية بالأطفال فقمية الأطراف.
وكانت النتيجة أنْ منعت منظمة الصحة العالمية، وهيئة الأغذية والعقاقير الأمريكية (FDA) تداول الدواء، وأفلست الشركة التي أنتجته، وهي شركة شركة جرونينثال الألمانية، ولكن في التسعينيات الماضية، عاد هذا الدواء إلى الظهور مرة أخرى في بلدان إفريقيا على أنَّه مهدئٌ آمنٌ للحوامل!!
وبالعودة إلى الأزمة الحالية التي تواجه العالم؛ فقد كشفت الأبحاث أنَّ الجينات الأصلية للفيروس المسبب لإنفلونزا الخنازير، هي نفسها التي كانت في الفيروس الوبائي الذي انتشر في نهاية الحرب العالمية الأولى، وتحديدًا في العام 1918م، بالإضافة إلى جينات مشتركة مع فيروس إنفلونزا الطيور (H5N1)، وأخرى من سلالتَيْن جديدتَيْن للفيروس (H3N2)، أي أنَّ فيروس إنفلونزا الخنازير فيروس مركب أو مُخلَّقٌ وراثيًّا؛ حيث لا يمكن اجتماع هذه الخريطة الجينية في الطبيعة، مع تبايُن ظروف نمو ونشأة كل هذه السلالات من الفيروسات.
خريطة جينية معقدة أفرزت فيروس إنفلونزا الخنازير
وقد رصدت تقارير الإعلام والمنظمات الصحية في العالم، في فبراير الماضي من العام 2009م، محاولة لم يثبت كونها عمدية، ولكن لها دلالاتها، لنشر فيروس إنفلونزا الطيور، وكانت بطلة هذه المحاولة شركة باكستر إنترناشيونال السويسرية، وهي شركة عالمية تعمل أساسًا في مجال إنتاج اللقاحات.
في فبراير قامت الشركة بإرسال لقاح ضد فيروس الإنفلونزا الموسمية إلى 18 دولةً أوروبيةً، كان اللقاح ملوثًا بفيروس إنفلونزا الطيور الحي, والمدهش أنَّ ذلك تمَّ اكتشافه مصادفةً في معامل شركة "بيوتيست" التشيكية، عندما قررت الحكومة التشيكية إجراء اختبار روتينيّ على اللقاحات المُرْسَلَة؛ حيث ماتت جميع حيوانات المختبر التي تلقَّت اللقاح، وما كان من التشيك إلا أنَّ أرسلت إلى الدول الأخرى التي اشترت اللقاح، وتم وقف تداوله، مما حال- بعد ستر الله تعالى- دون حدوث وباء عالميّ يُسقِط أعدادًا كبيرةً من الضحايا.
وزاد من الشكوك حول عمدية محاولة الشركة نشر وباء الطيور، لإمكان تسويق المزيد من منتجاتها؛ أنَّ أنظمة التعقيم المتبعة في الشركة لا تسمح بحدوث تلوث بهذا الحجم بشكل غير عمديّ.
المدهش أنَّ الشركة بعد ذلك بأربعة أشهر تقدمت بمشروع لإنتاج لقاح مضاد لمرض إنفلونزا الخنازير، وسيكون- بحسب منظمة الصحة العالمية- العقد الموقع مع الشركة مخصصًا لإنتاج لقاحات للدول النامية!!
المكسيك تحتل المرتبة الأولى في عدد الإصابات بالوباء
المثير للشكوك في هذا التعاقد، هو أنَّ أول حالات المصابين بالوباء في المكسيك لم يُصابوا به في المكسيك، بل كانوا في رحلة إلى أوروبا، كما أنَّ حالة باكستر مع "خطأ" فيروس إنفلونزا الطيور، أثبت أنَّ لديها الإمكانات المعملية لإنتاج هذه النوعية من الفيروسات والحفاظ عليها في حالة نشطة.
وفيما يتعلق بمرض الإيدز فقد اندهش العالم قليلاً، ولكن دهشته زالت عندما تأكد أنَّ الفيروس "فارٌّ" من معامل الحكومة الأمريكية، وتحديدًا من مراكز الأدوية والأمراض المُعْدِيَة (CDC)؛ حيث كان يتم إجراء أبحاث بيولوجية على القرود الإفريقية الخضراء، الناقل الرئيسي لفيروس (HIV) المُسبِّب لمرض الإيدز.
والآن تدور الشكوك حول شركات الأدوية العالمية في تخليق فيروس (H1N1)، الذي يأتي من عائلة فيروسية ذات طبيعة قادرة على التحور في الأصل، وتزداد غرابة الموقف "سرعة" تعامل هذه الشركات مع الحالة، و"سرعة" تقدمها بعروض لإنتاج اللقاح.. فهل وُضِعَ العالم في حالة طوارئ، من أجل "جيوب" هذه الشركات؟
نسأل الله العافية والصحة والسلامة
قال الإمام على رضى الله عنه: (ما نزل بلاء إلا بذنب، وما رفع إلا بتوبه)