- امور تحدث سريعاً !!
لا شك في ان المكسيكيين اسوا من قاد السيارات في العالم .
رددت لورا هذا الكلام وهي تقود السيارة على طول الجادة الجميلة , التي تمتد بمحاذاة مجموعة من الفنادق الضخمة المطلة على الخليج .
ومرة خلال حفلة استقبال حضرتها قال لها رجل اعمال مكسيكي :
" الرجال هنا جبابرة اقوياء .. وأضاف :
" في بلادنا وفي كل المناسبات , على المكسيكي ان يفرض سيطرته وسواء حاول الحصول على امراة او كان يقود سيارته , فانه مضطر الى ان يفعل المستحيل ليؤكد سطوته وعلّو شانه .
وما على المراة إلا أن تطيع ".
استعادت هذه الكلمات , وهي تحاول عبثاً تغيير اتجاه سيرها لتستطيع سلوك طريق المرفأ .
فجأة توقف سائق تاكسي ورمقها بنظرة إعجاب , وتخلّى لها عن فسحة إستطاعت من خلالها عبور الطريق المطلوب .
وبعد دقائق صفّت سيارتها في مرآب نادي اليخوت .
اخرجت من سيارتها كيساً يحتوي على كل ما تحتاجه لإعداد عشاء اميريكي يحب والدها أن يتناوله ,
ثم سارت على رصيف الشاطئ..الى حيث يرسو يخت والدها .
صعدت الى سطح اليخت الخلفي فلم تجد احداً . فنادت وهي تقترب من السلم الذي يؤدي الى قاعة الجلوس و المطبخ :
" ابي !!أبي !! إنني هنا ".
لا جواب . هبطت لورا بحذر السلم الضيق , المطبخ الصغير كان فارغاً ,
وكذلك غرفة الجلوس التي تحتوي على طاولة في وسطها ومقاعد مغلّفة بالنسيج القطني ذي الألوان الزاهية .
اتكأت لورا على أحد الجوانب وغرقت في الذكريات ,
تعرّفت الى الرائحة العادية الممزوجة برائحة سجائر والدها .
وبدأت تنفعل . كم هي نادمة لاها لم تكن مثله شريدة البحار ,
غير ان دان فضّل العمل بنصائح الراهبات اللواتي أشرن عليه بادخال لورا المدرسة الداخلية اذا ارد ا ان يضمن مستقبلها .
ترعرعت لورا على ايدي الراهبات اللواتي كرّسن حياتهن للتربية والتعليم .
مرّة حدثتها الاخت كرميليتا ذات الوجه الملائكي , التي كانت تعلمها اللغة الاسبانية , عن مستقبلها كامراة وذلك عندما عبّرت لورا عن رغبتها في دخول سلك الرهبنة .
اذ قالت لها الراهبة في لطف وهي تبتسم :
"لا يا لورا . سيدخل حياتك يوماً ما رجل يغمركِ بحنانه و تنجبين منه اولاداً تسعدان بهم .
أعتقد يا ابنتي ان دخولك السلك سيكون غلطة ".
سرعان ما نسيت لورا هذه الرغبة , لكن كلمات الاخت كرميليتا ظلّت محفورة في ذهنها .
وعندما التقت برانت اعتقدت انه هو رجل حياتها . فهو يتمتع بمزايا خلقية رفيعة ,
اهمها انه لا يحاول ان يمارس الزواج قبل الاوان وهذا شئ نادر في هذا العصر
حيث لم تعد هناك أية حدود تمنع الرجل والمراة من الاستمتاع .
تناهت الى سمعها خطوات على متن السفينة , فانتفضت واسرعت الى تسلق السلالم ...
"أبي ..اين كنت ؟؟ أرجو ألاّ تكون قد اشتريت اغراضاً للعشاء لأنني .............""
سكتت فجأة وهي ترى شبح دييغو راميريز الممشوق و المفرط في الاناقة منتصباً امامها .
سألته في لهجة باردة :
" ماذا تفعل هنا ؟ بدأت أسأم رؤيتك وملاحقتك لي في كل مكان .
سيأتي والدي في أية لحظة الان , لذلك انصحك بالذهاب ".
قال متجاهلاً ملاحظتها :
" أيمكنني الهبوط إلى داخل اليخت ؟".
"والدي في طريقه الى هنا . ولن تسرّه رؤيتك على متن سفينته ".
لم يأبه لهذا التهديد , بل توجّه في هدوء الى غرفة الجلوس وقال :
" اجلسي يا لورا . لديّ أمر مهم أريد أن أحدثك فيه ".
فقالت في لهجة حاسمة :
"أرجو ان تقول ما عندك بسرعة , أريد إعداد العشاء لوالدي ".
هزّ رأسه في تعبير آسف جعل لورا تشعر بجفاف في حلقها و بقلق غامض ...
قال وهو يسمّر عينيه في عينيها :
" أخشى ألا يتمكن والدك من أن يتناول العشاء معكِ هذا المساء ".
" لماذا " ؟؟
" آسف أن ابلغكِ أن والدك محجوز لدى الشرطة المحلية ".
قالت لورا وقلبها ينبض بسرعة ....
" الشرطة .....إن هذا مستحيل "..
" كنت على الشاطئ القريب جداً من هنا ولاحظت زحمة وهياجاً على السفينة وعرفت الرجل الذي اصطحبته الشرطة : انه الرجل ذاته الذي كان يرافقك في مطعم الميرادور .......وقد كنت اعتبره خطيبك ....."
سألت وهي تنهض غاضبة من دون ان تعي ما قال :
" لكن لماذا اوقفت الشرطة والدي ؟ لم يقم بشئ غير قانوني طيلة حياته ..
لاشك أن ذلك خطأ ... يجب ان اذهب وارى ماذا يجري .... وساقول لهم ....."
وفي حركة نجح دييغو في تهدئتها ...
" ربما فيما بعد علمت من الشرطة التي اوقفته ان والدك متهم بالتورط في عملية تهريب مخدرات ..
وهنا في المكسيك تعتبر جريمة كبيرة ".
رددت لورا منذهلة ....
" تهريب مخدرات ؟؟ أبي ؟؟ لكن مستحيل ,,,, هل سمعت ما أقوله ... هذا مستحيل ".
قال دييغو في حزم ....
" اجلسي "
هبطت الفاته في المقعد ...أما دييغو فظل مستندً الى الطاولة ..
" يجب أن تدركي جيداً ان والدك متهم بجريمة بالغة الاهمية ..
وحسب الادلة التي اكتشفت على متن الباخرة فهو معرض لان يبقى في السجن طيلة الحياة
او لنقل مدة طويلة قبل افتتاح المحكمة "
همست لورا واضعه رأسها بين يديها .....
" محكمة؟؟ لا ... لا يمكنني ان اصدق شئيا كهذا "..
" لكن هذا هو الواقع ...ذهبت الى مركز الشرطة وتوصلت الى التحدث مع والدك ..
فاخبرني بان الرجلين اللذين استاجرا منه اليخت عادا في الصباح الباكر وما لبثا ان غادرا ..
وقالا له انهما سيعودان في المساء .. وكانا على استعداد للابحار فجر الغد ".
قالت لورا مستغربة وهي تقفز ...
" رجلان , هما اذاً المذنبان .. قال لي والدي انهما استاجرا السفينة وفي نيتهما الصيد ,,
لكنهما لم يكونا يعرفان شيئا عن الصيد .. ساخبر الشرطة بذلك "..
ارادت الاسراع نحو الممر لكن دييغو اقفل عليها الطريق وقال وهو يمسكها من كتفيها :
" لا تتصرفي تصرفا احمق! هل تتصورين ان الشرطة هنا ستصغي الى ما تقولينه ,, انتِ ابنته !!".
"لكن يجب ان افعل شيئا ما ".
قال لها بلطف :
" لا يمكنك ان تفعلي شيئا يا لورا امام السلطات ....."
سالته وقد احتلتها الكابة فجاة :
" الى من سالتجئ اذاً ؟ هل في اكابولكو قنصلية للولايات المتحدة ؟".
" كلا .. القنصليه مركزها في مكسيكو .. لكن في مثل هذه القضايا لا يستطيع القنصل ان يفعل اي شئ ".
" يبدو وكانك وجدت الحل ..ارجوك .. قل لي ماذا افعل ؟".
حدّق في عيني الفتاة الخضراوين ثم اخفض جفنيه وقال في صوت مبحوح :
" لديّ نفوذ في بعض الاوساط "
" يمكنك اذا ان تفعل شيئا ما لمساعدة والدي ".
وفي هذه اللحظة بالذات رفع راسه وانتفضت الفتاه امام حدّة نظراته القاتمة :
"لكن نفوذي يكون له صدى اقوى اذا ......."
عمّ صمت طويل راح فيه قلب لورا ينبض بسرعة ...
واضاف :
"اذا كنتِ زوجتي ".
كالبلهاء راحت لورا تحدّق فيه وهي تلاحظ برغم الصدمة القوية وجهه ذا
الملامح البارزة ورموش عينيه الطويلة وقساوة فمه ورددّت في صوت خفيض :
" زوجتك ؟ لكن الا تكفيك زوجة واحدة !".
هزّ راسه في تلهف :
" أنا لست متزوجاً والمرأة التي تعتقدين أنها زوجتي هي في الحقيقة أرملة أخي الصغير ..جيم .
. الذي قتل السنة الماضية في سباق القوارب الآلية ".
" لكنني كنت أعتقد ...."
توقفت ..... وكل شئ يغلي في ذهنها ..
" نعم .. اني اعترف انني جعلتك تعتقدين ان كونسويلو زوجتي لم يكن ذلك قصدي في بداية الامر ..
ولكن عندما وضعت في ذهنكِ انّ المراة التي
ترافقني في حفلة عرض الازياء هي زوجتي ,
لم اكن قادرا ان انكر ذلك .. كنت اريد ان اعرف ما اذا كنتِ قادرة على الصمود
مدة طويلة امام رجل تعتبرينه متزوجاً ".
ولان تعبيره بعض الشئ ...ثم قال ..:
" اني اعترف بانك تصرفتِ بعناد وتصلب "..
ما زالت لورا مضطربة لوضع والدها المؤسف ,, فلم تسجل هذا الاعتراف الجديد .
" لم افهم بعد .. هل كان ذلك امتحاناً ؟؟ أهذا ما تقصده ؟".
" نوعاً ما .. نعم ."
تناول من جيب سرواله علبة السيجار واخرج سيجاراً صغيراً واشعله بقداحة ذهبية ..
خارت قدما لورا وهبطت في المقعد ....
قال دييغو وهو ينظر من نافذة اليخت :
" يهمني جدا فيما يتعلق بهذه الامور ان تكون زوجتي مترفعة عن اية شبهة ".
تأملته لورا لحظة من غير ان تقول كلمة ...
فهي حزينة لما حصل لوالدها ثم صرخت وهي تستعيد وعيها ...
" لكنك مجنون حقاً ! لن استطيع ان اتزوجك ..
يبدو انك نسيت اني مخطوبة واني ساتزوج حين اعود الى لوس انجلوس ".
سأل دييغو وهو يتفحص وجه لورا الجميل المحمر خجلاً :
" هل تحبين ذلك الرجل ؟".
أكدّت له وهي تقف لتواجهه وعيناها تتوهجان غضباً :
" طبعاً .. ولماذا اتزوجه اذا لم اكن احبه ؟".
ما من احد يعرف ما الذي يدفع النساء الى الزواج ...
هل هو المال ام المركز ام الاستقرار .. ام الحب ,
خطيبك , هل هو غنيّ ؟".
" كلاّ . انه محام شاب ما زال في بداية الطريق .. يمكنك ان تلغي السببين الاولين ".
" اذاً لا شك أن السبب الثالث هو الذي ينطبق عليكِ , الاستقرار ...
اهذا ما يقدمّه لكِ ؟
منزل في حيّ جميل , وولد أو ولدان .. وسهرة نهاية الاسبوع في النادي ".
" وماذا عندك ضدّ هذا النوع من الحياة , في كل حال انه وضع معظم الناس في بلادنا ,
ولست اخجل من كوني جزءاً منهم ".
ثم اضافت في لهجة ساخرة :
"طبعاً , ليس بامكان الجميع ان يملكوا منزلا يقع في محطة الحمامات الاكثر شهرة في العالم ,
وربما ايضاً قصراً في مكسيكو ".
اخذ دييغو نفساً من سيجاره وقال في تمهل :
" ليس في هذا خطأ .. في كل حال ان المراه تحب بشغف الرجل الذي يؤمن لها كل هذه المتعه ..
هذا ما يوصلنا الى السبب الرابع الذي هو .... ".
قاطعته لورا قائلة:
" لماذا نتجادل في هذه الامور السخيفة بينما أبي يقبع في احد سجون بلادك التعيسة ؟
سوف أصبح مجنونة مثلك .... "
اجابها دييغو ...:
" اني لست مجنونا . لكني انتهازي .. واعترف بان سجوننا ليست كما يجب وخصوصاً اذا كان السجين متهماً بتهريب المخدرات ,
لكن يمكنني القول ان والدك لا يلقى معاملة سيئة ..
لقد حاولت اقناعهم بان يقدموا له الطعام المعقول وان يجعلوا زنزانته في وضع مريح ومقبول ".
فقالت في صوت مخنوق :
" شكراً .. المال يفعل كل شئ , اليس كذلك ؟".
" في مثل هذا الوضع , المال وحده لا يكفي ..."
ترددّ ثانية ثم أضاف :
" ان الموظفين الذين اتصلت بهم من اجل مساعدة والدك عطفوا عليه ,
ليس من اجل المال , بل بسبب قرابتي لوالدك ".
" لقرابتك بوالدي .....؟ لكنك لم ..... لم تقل لهم ان .........ان ........"
قال لها وهو ينظر اليها في جراة :
"قلت لهم انكِ ستصبحين زوجتي . وانني لا ارضى ان ارى عمي يلقى معاملة المجرمين ".
فهمست لورا وهي شاحبة الوجه :
" كيف تجرات وقلت ذلك ؟".
" هل تعارضين ان ينال والدك معاملة حسنة ؟"
اجابت في غضب :
" لا .. انما يزعجني انك كذبت من اجل ذلك ...
وماذا اخبرت والدي ؟ هل كذبت عليه ايضاً ؟".
" الحقيقة اخبرته عن رغبتي في الزواج منكِ ...
وان ذلك سيتم ابكر مما كنت اتوقع .. نظراً للاوضاع الحالية ...."
تقدم دييغو منها خطوة واخذها من ذراعيها وقال في صوت خفيض :
" لن اخفي عليكِ انني كنت افضل ان يتسنى لي الوقت لان اغازلكِ يا حبيبتي .. لكن ...."
وبحركة عنيفة تخلصت من قبضته وقالت بغضب :
" انني امنعك من ان تناديني هكذا ؟ انا لست حبيبتك ولن اصبح حبيبتك ابدا ".
فقال دييغو وهو يبتعد عنها :
" حسنا " .
توجّه نحو السلم ثم التفت ونظر اليها باشمئزاز واستخفاف وقال :
" اذا غيّرت رايك يا انسة , يمكنك ان تتصلي بي في فيلا جاسينتا ,
انه اسم منزلي ".
ثم اخرج من جيبه دفتراً صغيراً , وكتب بعض الارقام .. ثم اقتلع الورقة واعطاها اياها قائلاً :
" ان رقم هاتفي غير موجود في الدليل الهاتفي .. فلا تضيعي الرقم , الى اللقاء ".
ضغطت لورا على الورقة بين اصابعها الجامده وهي تنظر الى دييغو يصعد الى سطح السفينه .
وبعد ذهابه شعرت فجأة بضياع وحيرة
عادت الى غرفة الجلوس واسترخت في احد المقاعد وعيناها تحدّقان في رقم الهاتف الذي انحفر للحال في ذهنها ,
لكن لابد من ايجاد طريقة لاخراج والدها من السجن من دون الاضطرار الى اللجوء الى الزواج من هذا المكسيكي المتوحش !
" ايمكنني ان افعل لكِ شيئا يا انسه ؟".
ان مهنة لورا جعلتها تعتاد سماع كلمات الاعجاب .
ومع ذلك فقد انتفضت امام نظرات الموظف الملحة الذي يحرس باب مركز الشرطة , وبين شفتيه سيجارة .
"انني ..... اريد ان ارى والدي , دانييل ترانت ".
سالها الشرطي في فضول وهو يعريها بنظراته :
" هل انتِ الفتاة الاميريكية ؟"
فقالت بترفع :
"قل لي فقط اين يمكنني التحدث الى الشرطي المسؤول ".
اجابها ببطئ وفي لهجة مليئة بالاشمئزاز والكراهية :
" أظن انه مشغول في الوقت الحاضر ".
لكن لورا مرت من امامه من دون ان تلح عليه ودخلت الى البهو
ولاحظت من خلال باب مفتوح رجلاً ضخماً يرتدي بذلة رسمية جالس وراء مكتبه وزجاجة عصير في يده .
ولدى رؤيته الفتاة الشقراء , نهض الضابط في سرعة وقال :
" انسة ماذا تريدين ؟".
" اريد ان ارى والدي , دانييل ترانت . جئ به الى هنا بعد ظهر اليوم ".
فاجابها الرجل مقطباً عن حاجبيه :
"موعد الزيارة ليس الان عودي في الغد ..."
رفعت الفتاة يدها لتبعد شعرها عن وجهها , واذا بها ترى ملامح الضابط تتغير فجأة :
" هل قلتِ انك تريدين رؤية السينيور ترانت ؟ اذاً انت ِ ......."
" ابنته ".
" خطيبة السينيور راميريز ؟".
سحابة مفاجئة مرّت في عيني الشرطي الصغيرتين ,
انه يستغرب كيف انّ رجلاً غنياً اهدى خطيبته خاتم خطبه عادياً جداً .
تبعت الشرطي في طول الممر الضخم التي تفتح عليه الابواب السوداء الضخمة .
فلما وصل الى الباب الاخير , ادخل مفتاحاً في القفل وفتح الباب .
قالت لورا وهي تدخل الى غرفة صغيرة :
"شكراً يا سيدي ".
الاثاث الوحيد في الزنزانة هو سرير بسيط فوقه رفّ من الخشب الابيض وطاولة وكرسي كان يجلس فيها والدها , صرخ دان وهو ينهض :
" لورا , ابنتي الصغيرة !".
ركضت اليه وعانقته وهمست في صوت متقطع وهي تضغط على كتفيه :
"ابي ..... اه ابي ! ".
قفال في صوت منفعل :
" لم اكن اريد ان تاتي الى هنا . الم يحضر راميريز معكِ ؟".
" هو ... اه ... لا , لا يعرف انني هنا ...."
فقال دان مقطباً حاجبيه :
"اني اشك في انه سمح لكِ ان تاتي لوحدك الى مثل هذا المكان ....
اجلسي في الكرسي .. وانا ساجلس على السرير ".
ولما راى نظرات ابنته المشمئزة وهي تنظر الى غرفته , ابتسم في سخرية وقال :
" لا يبدو لك المكان فاخراً يا صغيرتي , لكنه بكل تاكيد افضل مئة مرة من الزنزانة التي القوني فيها عند وصولي ".
فانفجرت قائلة بغضب :
" لكن ليس مفروضاً ان تكون هنا ! ".
اجابها في لهجة مهدئة :
"أعرف ذلك يا صغيرتي . ااعرف جيداً . وانا ايضاً احسست بالشعور نفسه عندما وصلت الى هنا ,
لكن عندما رايت كيف يعاملون الموقوفين ................"
توقف ثم انحنى ليضع مرفقيه على ركبتيه :
" هل تصدقين اذا قلت لكِ انّ بعض الاميركيين وبعض الاجانب موجودون هنا منذ اشهر ...
بل منذ سنوات عديدة من دون ان يمثلوا امام المحكمة ,
لا عائلاتهم ولا محاموهم ولا احد يمكن ان يفعل شيئاً لمساعدتهم ".
قالت لورا في استغراب :
" ربما هم مذنبون ! لكن انت لست كذلك , يجب ايجاد طريقة لاقناعهم بانك برئ ".
تنهد دان وهو يزرع ارض الغرفة الصغيرة وقال :
" يا ابنتي المسكينة , في هذا البلد اهم شئ ان يكون لك اصدقاء في الدولة .
على فكرة رجال الشرطة لم يعتقلوا بعد الرجلين اللذين استاجرا سفينتي ".
" متى القوا القبض عليهما , يطلقانك في الحال ".
هزّ دان رأسه وقال :
" هذا شئ رائع ! لكن ما أعرفه عن هذين الرجلين قليل جداً ,
إلا انهما لن يترددا في ان يفعلا ما في وسعهما للتخلّص من هذه الورطة ,
يجب النظر الى الامور بلا خوف , يا لورا .... ربما قالا انني متواطئ معهما ".
" لكن هذا ليس صحيحاً ".
وبعد تنهد عميق , عاد دان ليجلس على السرير ثم قال :
" انا وانتِ نعرف ذلك تماماً . لكن هل بامكاننا اقناع الاخرين؟".
فقالت وهي تضغط على يديها :
"سوف اطلب من برانت ان ياتي الى هنا فهو يعرف ما يجب عمله ".
" هل هذا صحيح ؟".
التقى نظره المرتاب بنظر ابنته , فاخفضت لورا عينيها ,
انها تعرف بماذا يفكر والدها , لقد اظهر برانت انزعاجه فيما يتعلق بالحياة الحرة التي كان يعيشها والدها . شعرت لورا بفقدان الامل وقالت في صوت غير اكيد :
" اسمع , يمكنه ان يدلنا الى محام صديق له . وفي كل حال فان برانت متخصص بالدفاع عن حقوق الشركات , وهذه القضية ليست من اختصاصه ."
فقاطعها دان في قسوة لم تتعود عليها من قبل :
" الم تفهمي ما قلته لكِ . المحامي الاميريكي لا يمكنه ان يفعل شيئاً في هذا البلد ...القانون وحده يطبق ".
همست لورا في صوت مخنوق :
" لكن يجب ان نفعل شيئاً "
اكدّ لها دان في قوة :
" هناك شخص واحد قادر على اخراجي من هنا هو السينيور دييغو راميريز ...
لديه النفوذ والمال والعلاقات ".
توقف قليلاً ثم أضاف :
" وهو يريد الزواج منكِ ".
فهمست قائلةً :
" آه .. هل فاتاحك بالامر ؟".
" تصرّف بوضوح ...لكن , يا ضغيرتي , لماذا لم تخبريني بأن الامور وصلت الى هذا الحد بينك و بينه ؟
مساء أمس في فندق الميرادور جعلتني اعتقد بانه رجل متزوج ...."
" صحيح ؟ اووه ...."
من الصعب ان تقنع والدها بانها قبلت الزواج من دييغو اليوم فقط بعدما كانت تعتقد بالامس بانه متزوج فعلاً .
ليس هناك الا حل واحد وهو الاعتماد على هذا الرجل المكسيكي لينقذ والدها من هذا المازق الصعب .
فقالت في خجل :
" في الحقيقة , كان يزعجني بعض الشئ ان اعلمك بقراري قبل ان افسخ خطبتي من برانت ".
وصدّقها دان ..اذ قال وهو ينحني ليضغط على يديها بحنان ...
" انكِ لا تتصورين الى اي درجة انا سعيد من أجلكِ.
يا ابنتي الصغيرة مساء امس رايت دييغو راميريز شعرت بانه رجل حياتك , اكثر من برانت .
اني اقول لكِ هذا بصراحة . ان دييغو يحبكِ . هذا هو واضح للغاية , نظراته لا شك فيها ... و .....".
توقف فجاه ليمرر يده في شعره ثم اضاف :
" شرط الا تعتقدي ان هذه الظروف الصعبة هي التي تدفعني لان اقول ما اقول ,
افضّل ان ابقى هنا واموت على ان اراكِ ..........."
قاطعته لورا بسرعة قائلةً :
"اعرف ذلك يا ابي , لكن في وسع دييغو ان يسوّي الامور ,
انه يعرف عدداً كبيراً من الشخصيات البارزة في الدولة .
سترى ان بقائك في السجن لن يطول ."
" هل انتِ متاكده تماماً من عواطفكِ يا لورا ؟
الزواج من رجل مثل راميريز هو زواج لا يمكن فسخه , لا تنسي ذلك .
اذا كنتِ تشعرين بانكِ غير واثقة من الامر قولي بصراحة ,
في كل حال لا شئ يؤكد انني ساستعيد حريتي حتى ولو بمساعده دييغو . يجب الاّ تتاثري
بوضعي الحالي ولا تلقي بنفسكِ في زواج تندمين عليه مدى الحياة ".
أخفضت لورا عينيها على يدي والدها الضاغطتين على يديها ,
لقد اكدّ والدها قائلاً :
" الزواج برجل مثل راميريز هو زواج لا يمكن فسخه ".
وهي التي كانت تظن انّ هذا الزواج مؤقت ينتهي بمجرد خروج والدها من السجن .
ومع ذلك شعرت بالامل في ان كل شئ سيتم بصورة حسنة .
رفعت عينيها ونظرت الى والدها وقالت :
" نعم يا ابي , اني متاكده من حقيقة عواطفي .
ولا اتصور حياة سعيدة من دون دييغو ".
وللمرة الاولى ابتسم دان في استرخاء ,
وعندما غادرت لورا والدها بعد دقائق , كان في غاية الغبطة والانشراح ومتفائلاً بقدرة صهره العتيد على وضع حدٍ لهذه الازمة
الفصل الرابع :
4- انتظرتك منذ الازل ..
.
" الو ""
كانت لورا تنتظر ان تسمع صوت دييغو راميريز البارد ,,
لكنها فوجئت بصوت امراة , فقالت بعد تردد :
" هل ... هل بامكاني التحدث مع السينيور راميريز ؟".
" السينيور راميريز يأخذ حماماً في بركة السباحة , هل الامر طارئ ؟".
" نعم . سانتظر على الخط ".
اخذت لورا ترتجف ..اذا اقفلت السماعه , فلن تستعيد شجاعتها لتطلبه من جديد .
فمن الافضل الانتظار .
" لحظة من فضلك ".
كانت لورا تطرق بعنف على طاولة الهاتف وتحاول تهدئة اعصابها ..
من مع دييغو في بركة السباحة ؟ ربما كونسويلو ذات القامة الممشوقة والعينيين السوداوين الجميلتين , .
ليس من الصعب التصوّر ان هذا الرجل لا يمانع في رؤية النساء الجميلات في زي السباحة .
فقالت في صوت متردد :
" إني ......... لورا ترانت ".
" آه .....!"
ران صمت طويل , وتسائلت لورا ما اذا كان محدثها يكتفي برؤيتها تعتذر جهاراً .
فقال اخيراً في لهجة مالوفة :
" هل زرتِ والدك ؟".
" اني ..... نعم . مساء امس .
اني مستعدة للتفكير في عرضك ...."
عمّ صمت من جديد , وطال الى حد انها ظنت ان المكالمة قطعت .
وبعد ثوان عديدة .. قال دييغو في لهجة لا مبالية :
"من الافضل ان تكلميني عندما تقررين قبول العرض ".
بعد ساعات من التفكير المستمر والعذاب للتوصل الى هذا الحل , كانت تامل منه على الاقل ان يقوم هو ايضاً بجهد من جانبه ,
لكن يبدو انهه ليس من طبيعة دييغو راميريز انه يبدي بعض التفهم و قليلاً من الرحمة .
همست في صوت مخنوق :
" حسناً إني اوافق على الزواج منك ".
طبعاً لم تكن تنتظر منه كلمات الحب , لكن خاب ظنها من ردة فعله الموجزة .::
" ساوافيكِ بعد نصف ساعه , هل انتِ في الفندق "؟.
"نعم ".
" الى اللقاء يا لورا ".
بينما تذرع الارض بعصبية ذهاباً واياباً بين غرفتها وغرفة الجلوس ,
بدا لها الوقت طويلاً , كانت في حالة قلق وبلبلة عاجزة على ان ترى المنظر الساحر الذي يطل من شرفتها على البحر وراء شاطئ روملي ابيض محاط باشجار النخيل العديدة .
لماذا يريد دييغو راميريز هذا الرجل الثري وصاحب النفوذ وزير النساء ان يتزوجها ؟
صحيح ان عمل لورا كعارضة ازياء يجذب اليها الاضواء وصحيح انها تتمتع بجمال خلاب ,
لكنها لا تعتز بذلك ,
ان بشرتها الشقراء الفاتحة لابد ان تكون العامل الفعال الذي جذب هذا الرجل المحاط بالنساء السمراوات .
لكن هذا السبب ليس كافياً ليتزوجها .
" الزواج اللاتيني لا يمكن فسخه " هكذا قال والدها .
انتفضت عندما تذكرت انها ستفسخ الزواج الذي تعتبره رباطاً مقدساً وذلك بعد ان يخرج والدها من السجن .
تطلّعت الى نفسها في المرآة بعد ليلةٍ لم تخلد فيها الى النوم , بدت شاحبة الوجه .
فاسرعت الى الحمام , ووضعت بعض المساحيق على وجهها لتخفي شحوب بشرتها ..
وعندما سمعت طرقات متواصلة على الباب , ظلّت لحظة مسمّرة في مكانها ,
فالكابوس الذي بدأ منذ توقيف والدها مازال مستمراً والله وحده يعرف متى ينتهي ! .
تقدّمت بخطىً بطيئة وفتحت الباب , وفوجئت بدييغو الذي كان يرتدي بنطلون جينز ضيقاً وقميصاً بيضاء .... ياخذ يدها ويطبع عليها قبلة ,,
وبسرعة تخلّصت منه وابتعدت عنه قائلةً في لهجةٍ فظة :
" هذا النوع من اظهار العاطفة لا يبدو ضرورياً ".
رفع حاجبيه متعجباً وقال :
" الا تعتبرين انه من الضروري ان تقبلي مني دليل حبي المتواضع ؟"
" من الافضل ان تدخل ".
وعندما اصبحت في غرفة الجلوس الصغيرة المفروشة على الطريقة الاسبانية , التفتت نحوه وقالت :
" قبلت الزواج منك لسبب واحد انت تعرفه ,
ولا داعي لان نتبادل العاطفة التي لا نشعر بها تجاه بعضنا البعض ".
" العاطفة ربما لا تشعرين انتِ بها يا حبيبتي , لكن ذلك لا ينطبق عليّ
يجب ان نحتفل بهذه المناسبة , الا ترين ذلك ضرورياً "؟.
" لست في مزاج يؤهلني لان احتفل باي شئ ما يا سينيور , لكن فنجان قهوة يكفي لتهدئة اعصابي ".
وبينما كان دييغو يعدّ القهوة في المطبخ , خرجت لورا الى الشرفة واسندت ظهرها الى الدرابزين وراحت تراقب برغبة الازواج اللامبالين الذين يسترخون على الشاطئ , منذ ان وصلت وهي تحلم بان تعود الى هنا في شهر العسل بعد ان تتزوج برانت في لوس انجلوس .... اين هي من هذا الحلم الان ؟
قالت ببرود وهي تاخذ فنجان القهوة من يد دييغو بعد ان اصبحت في غرفة الجلوس :
"شكراً ".
رفع هو كاسه وقال :
" اتمنى لنا .... زواجاً خصباً ".
قالت لورا بصوت جليدي :
" دعك من هذه الاوهام .. هذا الزواج لن يكون سوى صورياً , ولا تنتظر ان تنجب اولاداً ".
وولحظة ظلّ جامداً ثم اخرج كاسه ووضعها على الطاولة وقال في هدوء وثقة :
" لا يا حبيبتي ,ليس الامر كذلك , لن يكون بيننا زواج ابيض .
لن اتزوج إلا مرة واحدة وزوجتي ستكون ام اولادي ,
وستكونين انتِ تلك الزوجة , وليس سواكِ ."
سالته في صوت مرتعش :
" لكن لماذا ؟ لماذا تصرّ على ان تتزوجني ؟
اننا لا نعرف بعضنا بما فيه الكفاية .. فكيف يمكننا بالتلي ان نحب بعضنا ؟".
فقال في لطف وهو يلامس شعرها الاشقر البراق الذي تركته ينسدل على كتفيها :
" لن يكون من الصعب معالجة هذه الامور في اوانها ".
بدأ قلبها يلين امام كلماته الرقيقة وأضاف :
" الم يسبق لكِ يا لورا ان التقيتِ احداً للمرة الاولى وشعرتِ بهذا الاحساس الغريب ,
عندما رايتك في حفلة عرض الازياء , انتِ التي كنت انتظرها منذ زمن من دون ان اعرف ذلك ".
احست لورا وكانها مخدرة , صوته العذب فعل فعله فيها , وراحت تتطلع الى عينيه السوداوين الجميلتين ,
وفمه المكسيكي , ثم ادركت انه ياخذ فنجانها من يدها بلطف ويجذبها الى ذراعيه .
هذا العناق الطويل لم تذق طعمه من قبل ..
كانت يداه تداعبان وجهها وعينيها ,, وكان يهمس في اذنيها كلمات الحب الناعمه ,
في البدء تقلصت لورا , لكنها سرعان ما استرخت , لم يسبق لها ان شعرت بالتفاعل مع الاخرين ,
واحتلتها رغبة في ان تتخلى عن المقاومة امام هذا الرجل الذي اختارته ,
لكن لم تكن هي التي اختارته ....
استعادت وعيها في الوقت الذي كان دييغو يرفع راسه مواصلاً الهمس بكلمات ناعمة ..
وفجاة , دفعته عنها واتكأت على الحائط , وراح قلبلها ينبض بسرعة جنونية وعيناها الخضراوان تحدّقان فيه في تعبير يتعذر تفسيره .
ثم قالت في صوت لاهث :
" اني لا أؤمن بهذا الهراء .. لماذا ؟".
اقترب منها على مهل وقال في صوت مبحوح وهو يداعب خصلة شعرها :
" ومع ذلك شعرت يا حبيبتي بأني لم اكن في نظرك مجرد عابر سبيل ,
لقد احسست تجاهي بالحب والرغبة ... وزواجنا ملائم تماماً وسيكون ناجحاً ".
ابتعدت لورا, عندها كانت تبدو منطويةً على نفسها , قالت :
" في رأئي , هذا الزواج ليس له الا هدف واحد يا سينيور , وهو ان يؤدي الى تحرير والدي ".
" كلما اسرعنا في الزواج كان في وسعي ان احقق هذا الهدف , كل ما استطيع عمله هو ان اقنعهم بالاسراع في محاكمته . واذا كان بريئاً .....".
صرخت وهي ترمقه بنظرة قاتمة :
" طبعاً هو برئ , في حياته لم يقم باي عمل اجرامي , فكيف يمكنه ان يتواطأ في تجارة المخدرات او ت هريبها ؟".
" يبدو انه لا يقوم بأي عمل ثابت , وليس لديه مهنة معينة ؟".
قالت وهي تنظر الى النافذة لتخفي الدموع المترقرقة في عينيها :
"ترك كل شئ بعد وفاة والدتي , كان يريد ان يبتعد عن كل شئ يذكّره بها ".
فصرخ دييغو :
" بما في ذلك ابنته ؟".
" كان مضطراً لان يضعني في مدرسة داخلية في دير للراهبات , ماذا يمكن ان يفعل رجل ارمل بابنة في الثانية عشرة ؟
كان من الصعب ان ارافقه واتقاسم حياته على متن سفينة تظل مبحرة ".
" طبعاً , لم يكن ذلك مناسباً ".
ثم ربت على المقعد الواسع الذي يجلس فيه وقال :
" تعالي واجلسي قربي يا حبيبتي ".
لكنها جلست في مقعد اخر وسالته :
" متى تظن انه يمكنك اقناعهم بتحديد موعد المحاكمة ".
" الوقت مبكر لمعرفة الجواب . ربما شهر او شهران ...."
" يا الهي ... ! كل هذه المدة ؟".
" اشكري ربكِ , هناك العشرات ظلّوا في السجن من دون محاكمة ".
" نعم , اعرف . مساء امس اخبرني والدي بذلك , حسنا .... لم يبقة امامنا الا ان نتزوج في اسرع وقت ممكن ".
فقال دييغو بسخرية :
" هذه العجلة تغمرني فرحاً , ويجب ان تتم حفلة الزواج في مكسيكو .. لدّي هناك العديد من الاصدقاء والعلاقات والمعارف الذين قد يحقدون عليّ اذا لم يتسن لهم حضور العرس ..
ليس لديّ اهل مقربون . وباستثناء كونسويلو , ارملة اخي , قريبتي الوحيدة , هي التي تعيش في المسكن العائلي في كويزنافاكا . انها طاعنة في السن ولا يمكنها ان تاتي الى مكسيكو في هذه المناسبة ".
" اليس لديك اب او ام ؟".
اجابها وهو يضغط بشدة على شفتيه :
" كلا . مات والديّ في حادث طائرة وهما عائدان من كانساس . كنت في الرابعة عشر انذاك ".
فقالت لورا بحنان :
" انني اسفة ".
الم تمر هي ايضاً بمثل هذه المحنة ؟
قال دييغو وهو يهز كتفيه :
" الشباب يشفون بسرعة من هذه الصدمات , والان يجب ان نحدد تاريخ العرس .
الزواج المدني يمكن ان يتم خلال اسبوع ,
يوم الجمعه المقبل , والزواج الديني في اليوم التالي ".
" لماذا كل هذه السرعه ؟".
" كي تجري الامور بصور افضل والى ان يحين هذا الموعد , لا يمكنني ان اعرض عليكِ ان تسكني معي في مكسيكو ,
لذلك ساطلب من كونسويلو ان تستقبلكِ في منزلها ".
قالت بلهجة جافة :
" اريد .... ان ابقى قرب والدي : لماذا لا يمكننا ان نتزوج هنا في اكابولكو ؟".
قطب دييغو حاجبيه وقال :
" " ان معظم الشخصيات الكبرى التي انا بحاجة اليها من اجل قضية والدك كلها في مكسيكو , حيث مراكز اعمالها . لذلك فمن الضروري ان يحضروا العرس ".
وضع يده بلطف على يد لورا وقال :
"وتعويضاً لذلك , يمكننا ان نعود الى هنا حالاً بعد انتهاء حفلة العرس ونقضي شهر العسل في فيلا جاسينتا . وهكذا تتمكننين ان تذهبي لرؤية والدكِ يومياً ".
كان عليها ان تكتفي بهذا الوعد , واقترحت على دييغو امهالها يومين للقيام بالاشياء الضرورية , وقال دييغو ان كل النفقات ستكون على حسابه , فاضطرت الى قبول ذلك لان المال القليل الذي تحمله لا يكفي لشراء الملابس الفخمة التي من المفروض ان ترتديها كزوجة السينيور دييغو راميريز .,,,,
الفصل الخامس :
5- لأنها تشبه الأم ...
ضغطت لورا بأصابعها المرتجفة على صدغيها كي لا تسمع الأصوات المرتفعه الآتية
من قاعة الاستقبال في الطابق الاسفل .
كان القماش المطرز الذي صنع منه فستان العرس يلوي قامتها النحيفة ,
كما تلوي الريح السنبلة الصغيرة .
هبطت في الكرسي الصغير الموضوع امام منضدة الزينة ذات المرايا المزخرفة ,
وراسها ما يزال بين يديها , ثم اسندت مرفقيها الي المنضدة .
هذه الغرفة الشاسعة بدأت تخنقها , اثاثها من الخشب الاسود الثقيل , وابواب الخزائن العالية المزينة بالمرايا , تعكس سريرا عريضاً , يقع في احدى زوايا الغرفة ,
عليه غطاء من قماش موشى بالذهبي والاحمر الغامق .
كل شئ من الطراز الاسباني .
انه ديكور يليق بزوجة مكسيكية للسينيور دييغو سيزار دافيد راميريز .....
عندما سمعت هذا الاسم , في المركز البلدي , رفعت لورا حاجبيها مستغربة ,
فقال لها دييغو ان والدته اميريكية الجنسية ,
نعم هذه الغرفة تليق بعروس مكسيكية , لكنها تبدو غريبة لفتاة اميريكة عاشت حياتها في جو بسيط ,
هل نامت والدة دييغو في هذا السرير , وهل وضعت فيه ولدها البكر؟
ارتعشت لورا لهذه الفكرة , وشعرت بارتياح عندما شاهدت كونسويلو تدخل الغرفة وتقول :
" ارسلني دييغو لاطلب منكِ ان تستعجلي " .
بدأت لورا تفك سلسلة الازرار الصغيرة التي تغلق الفستان عند الظهر , فقد جرى تصميم الفستان لجدة دييغو منذ ستين سنة ,
اي قبل اختراع السحابات ,
وهذه السيدة العجوز التي استقبلت لورا بلطف في المسكن العائلي في كوبرنافاكا , الّحت عليها كي ترتدي هذا الثوب يوم العرس , وقالت لها بانجليزية صحيحة :
" كنت احلم دائماً بان ترتدي عروس دييغو الفستان نفسه الذي ارتديته عندما تزوجت جده .
ما من احد في العائلة له مقاييس جسمي نفسها سواكِ ".
نظرت كونسويلو في عين حاسدة الى ثوب لورا الحريري الاصفر الموضوع على المقعد وقالت :
" حظكِ كبير لانكِ تزوجتِ من رجلٍ تري ".
فضّلت لورا الاّ ترد .
كانت تعلق فستانها في الخزانة , وتستعد لارتداء ثوبها الاصفر , وهي لا تشعر باي خجل من خلع ملابسها امام النساء ,
فقد تعوّدت ذلك كعارضة أزياء .
وكانت كونسويلو تتأمل في عينٍ ناقدةٍ قامة الفتاة الممشوقة والنحيفة .
" لست ادري كيف انجذب دييغو الى امراة نحيفة مثلك ِ .
ان صديقاته كلّهن نساء جميلات ذوات أجسام مليئة ".
قالت لورا و هي تبكلّ زنار تنورتها :
" صحيح ! ولكن لماذا لم يقع اختياره على واحدة منهن ؟".
" كان دائماً متمسكاً بفكرة واحدة , وهي ان ياتي بامراة تحلّ مكان والدته التي توفيت عندما كان صغيراً .
انه لايزال اسير هذه الذكرى ".
انتفضت لورا قلقاً . قفزت الى ذهنها صورة تلك المراة الشقراء الجميلة المعلقة في الجدار بين عدد من اللوحات تمثل رجالاً ونساء كلهم سمر . صحيح ان هناك بعض التشابه بينهما ,
لكن ذلك لا يؤكد ان دييغو انما اختارها لهذا السبب .
قالت لورا :
" كل ما تقولينه اوهام ! ".
فاجابت كونسويلو :
" لا . لست مخطئة , واذا كان ما اقوله غير صحيح , فلماذا لم يخترني انا ؟
ان تقاليد بلادنا تقضي بان يتزوج الرجل ارملة اخيه ".
" تلك هي اذاً المشكلة ".
فكرّت لورا وهي تجلس وراء منذدة الزينة . كانت كونسويلو تأمل في ان يتزوجها دييغو بعد انتهاء فترة الحداد , لكن بدل ان يفعل ذلك , اختار امراة غريبة ...
انها غلطة لا تغتفر , لو كان بامكان لورا ان تقول لها ان زواجها لن يدوم ,
فقط لان يخرج والدها من السجن بعد اعلان برائته ,
في كل حال , الم يفرض دييغو عليها الزواج , هي التي كانت ترفض تلك الفكرة بقوة ".
قالت لورا :
" كان عليكِ ان تكلمي دييغو بالامر ".
" أن تكلمني عن ماذا ؟".
كان صوت دييغو منبعثاً من عتبة الغرفة ..
التفتت لورا نحوه , فاقترب منها وهو لا يزال يرتدي بذلة العرس الغامقة .
وقد وضع على القبعة قرنفله حمراء .
وبرغم قرار لورا اعتبار هذا الزواج بمثابة اتحاد عابر سببه الوضع المؤسف الذي يعيشه والدها في السجن .
فانها لم تستطع ان تلجم انفعالها عندما سمعت في الكنيسة كلمات الحب والاخلاص تتدفق من فم دييغو ,
وتمنت لو ان هذا الزواج كان اكثر من صورة ساخرة كئيبة .
وبعد خروجهما من الكنيسة وسط اصدقاء دييغو الذين ملأتهم الدهشة والفرح , توجها الى المسكن العائلي , حيث كانت قاعات الاستقبال الواسعة تزدحم بمئات المدعووين من الشخصيات ورجال الاعمال , الذين حرصوا على تقييم العروس برغم نظرات زوجاتهم الحانقة ,
بينما رمقت بعض السيدات لورا بنظراتهن اللاذعة الخبيثة .
ثم وجّه دييغو بعض الكلمات باللغة الاسبانية الى ارملة اخيه التي هزّت كتفيها وخرجت من الغرفة بعدما صففقت الباب وراءها بحدة .
التقت عينا المكسيكي اللاهيتين بعيني لورا في المرآة وقال :
" ها نحن اخيراً وحيدان يا زوجتي .
لقد تحملّت بعذاب كل هؤلاء الرجال الذين كانوا يحيونك , ولم تخطر ببالي الا فكرة واحده ,
هي ان اخطفكِ من بين المدعوين واذهب بكِ الى فيلا جاسينتا بأسرع ما يمكن ".
عانق لورا التي شعرت برعشة صغيرة , فهمست وهي تلتفت اليه :
" ارجوك ....".
لكنه لم يسمع . بل راح يعانقها بحنان . مما جعلها تشعر باحاسيس بالغة .
همس في اذنيها قائلاً :
" اه لو تعرفين كم احبكِ هل يجب ان ننتظر حتى نصل الى فيلا جاسينتا ؟
هل تريدين ان اطلب من المدعويين الانصراف ليتسنى لنا ان نكون وحيدين ؟".
المدعوون يزدحمون في قاعات الاستقبال في الطابق الاسفل . امام هذا المنظر استعادت لورا وعيها فتخلصت فجاة من عناق دييغو وراحت ترتب نفسها , ثم همست في صوت مخنوق :
" هل نسيت ان هذا الزواج هو مجرد زواج ابيض ؟".
وبقوة تمسك بكتفيها وحدّق في اعماق عينيها وقال :
" سبق لي يا حبيبتي ان قلت لكِ ان الزواج لن يفسخ , ومن هذا الزواج ومن هذا الحب سيكون لنا اولاد ".
" لا ".
وضع يده على صدر زوجته حيث كان قلبها ينبض بسرعة جنونية , ثم همس قائلاً :
" كيف تقولين شيئاً كهذا ؟
انكِ ترغبين في هذا الاتحاد وانا كذلك .
انني اعرف تمامًا انكِ تشعرين بان قلبينا ينفعلان في انسجام وتناغم !".
هذا الكلام الهائم جعلها ترتعش في خوف غامض .
اية امراة لا تتاثر بكلمات الحنان والغزل من فم رجل جذاب له خبرة واسعه في استمالة النساء ؟".
قالت في عناد وتصلب بالراي وهي تتوجه الى منضدة الزينة وتسرّح شعرها :
" لا شك انك تهذي يا سينيور ,
انت تعرف جيداً سبب زواجنا .
وهذا الزواج لا دخل له بانجاب الاولاد من اجل استمرار عائلة .
راميريز , عندما يخرج والدي من السجن فانني ......".
توقفت وعضت على شفتيها فسألها دييغو في لطف :
" ماذا ستفعلين يا حبيبتي ؟".
أمسكها من معصمها وادارها نحوه واكمل :
" هل تعتقدين انني بعدما اقسمت بان اكون مخلصاً امام اصدقائي والشهود ؟,
سأرضى بأن تطرديني عندما لا تعودين بحاجه الىّ لأصبح أضحوكة الجميع ؟؟!! ".
لاااا يا لورا , لقد اصبحتِ زوجتي ,
وسوف تبقين زوجتي , وانني اتعهد بذلك ".
ارتعشت لورا حين لمحت نظرته المصممة , يبدو ان تهديده ليس مجرد كلام .
انه ينوي الذهاب في الزواج حتى النهاية ,
وسيصر على ان يكون له اولاداً ,
مما يؤدي الى استحالة فسخ الزواج ,,, نعم , لكن ... نحن في القرن العشرين ,,
بأولاد او من دون اولاد كل شئ ممكن حتى الطلاق .....
وبعد ان وضعت احمر الشفاه , تناولت حقيبة يدها وقالت وهي تبتسم :
" انني جاهزة ".
" اذاً , هيا بنا , حقائبنا اصبحت في السيّارة ".
" الا تريد ان تبدل ثيابك ؟"
ابتسم وقال :
" الخدم في فيلا جاسينتا لم يحضروا العرس , وسيفرحون اذا شاهدوني في ثياب العرس ".
وبطرف اصابعه راح يداعب خدها :
" كما اني اريد ان يفهم كل اللذين سنلتقيهم في طريقنا ان هذه العروس الجميلة هي ملكي ".
ثم اضاف وهو ينظر الى لورا :
" ارجوكِ من اجل والدكِ , ان تبذلي كلّ ما في وسعكِ كي تظهري امام الجميع انكِ الزوجة المحبة ".
صمت المدعوون المتجمعون في المدخل الواسع حول سبيل ماء لمدة لحظات لدر رؤية العروسين يهبطان السلم , ثم تجمّعوا حولهما ووجهوا اليهما التهاني والتمنيات .
وعندما اصبحا في السيارة المزينة بالورد , اقلع دييغو بسرعه .
وبعد قليل سلك الطريق المؤدية الى اكابولكو , ومن وقت الى اخر كان يرد باشارة من يده على تحيات السائقين او الفلاحين الذين لاحظوا بذلة العرس , ولم يتبادل مع لورا الا بعض التعليقات العابرة في شان الاماكن التي مروا فيها .
كانت لورا المتكئة باسترخاء على المقعد المريح , تحلم في اليقظة ,
يا لسخرية القدر ,
فقد تزوجت من رجل كانت تريد ان تعتبره الرجل المناسب ,
لولا الظروف الحاضرة , انه متديّن مثلها , وهذا في رايها امر اساسي .
كما ان دييغو يتمتع بجمال وجاذبية وثراء و شهرة .
اخفضت عينيها على الزمردة المحاطة بحبات الماس الرائعة التي يتالف منها خاتم الزواج الموضوع في اصبع يدها اليسرى قرب المحبس الذهبي .
دييغو بنفسه وضعه في اصبعها بعدما اجبرها على خلع خاتم الخطبة الذي اهداها اياه برانت .
وقد بعثت الى خطيبها برسالة موّسعه , تطلب منه ان يسامحها على تغيير رايها ,
ولم يتسنى له الوقت للرد عليها ,
هل سيتسنى له القراءة بين السطور ليدرك ان لورا ما تزال تحبه ؟.
سالها دييغو فجأة :
" بماذا تفكرين ؟".
انتفضت , لكنها ردت عليه بصراحة .
" افكر ببرانت خطيبي ".
قطب دييغو حاجبيه وقال :
" لم يعد لكِ خطيب يا لورا , لديكِ زوج مصمم على ان يجعل منكِ في القريب العاجل زوجته , بكل ما تحمل الكلمة من معنى ......
ثم هذا الذي يدعى برانت , اما كان فعل مثلما سافعل انا الليلة لو كان مكاني ؟".
اجابته وهي تحاول ان تخفي انفعالها :
" ليس اذا طلبت منه ألاّ يفعل ".
" هذا ما كنت اظن . في عروقه تسري دماء باردة ".
صرخت بعنف وحدّة :
" أنت مخطئ ! إ نه يتمتع برجولةٍ مثلكَ ,
إنما هو انسان متمدّن ... ولطيف , وأقل تطلباً منك ".
" أمثال هؤلاء الرجال بطبعهم البارد , يجعلون الدنيا مهجورة من البشر ,
يا لورا المسكينة !
هل تعتقدين انّ الغزاة الاسبان كانوا يضيّعون وقتهم عندما يغازلون النساء ؟..
لا ... عندما كانت تعجبهم المراة التي يلتقونها كانوا يتزوجونها
وما من مرة شكت هذه النسوة من شئ ".
سالته لورا في مرارة :
" وهل يسمعون شكواهن ؟".
...
" ربما لا . اني اعترف بذلك , لكن القليلات هنّ اللواتي حاولن التخلص من هذا القدر , ومعظمهم أسسّ عائلات مثل عائلتي , واعطين اولادهن العطف والحنان والمحبة التي نالوها من ازواجهم .
لا شك في انهن نساء رائعات عرفن ان يتقبلن مصيرهن .
فقالت لورا بسخرية :
" لم يكن امامهن خيار آخر ".
وصلا الى مدخل اكابولكو ولما رات الشاطئ الرملي الذي تحدّه اشجار النخيل وجوز الهند ,
فكرت لورا بانفعال انها سترى والدها عمّا قريب .
الممر الطويل المتعرج الذي يؤدي الى فيلا جاسينتا لم يكن قد قطعته لورا من قبل ,
المرّة الوحيدة التي جاءت فيها مع دييغو الى هنا كانت عن طريق البحر على متن يخته ,
ظهرت الفيلا من بعيد , جدرانها بيضاء وقرميدها زهري وهي مبنية على قمة تلة صخرية ,
تحيط بها الازهار من كل الجهات , على الشرفة الواسعه وجهتي السلالم العالية و الجدران الصغيرة والمرتفعات المشجرة .... انها فيض من الالوان الزاهية والروائح العطرة .
وما ان توقفت السيارة امام الفيلا , حتى انفتح الباب بمصراعيه الكبيرين ...
وظهرت جوانيتا الخادمة المسؤولة , وورائها زوجها كارلوس المسؤول الاول في الفيلا .
اسرعت جوانيتا بوجهها الاسمر الضاحك لاستقبال العروسين , فرحةً برؤية سيدها في بذلة العرس والقرنفلة الحمراء ,
قبّلها دييغو على خديها وصافح من في المنزل
وطلب من جوانيتا ان تحضّر الشراب المنعش في غرفة الجلوس .
اخذها الى الصالون الصغير الذي تطل شرفته على البحر
المنظر رااائع .. فتوجهت لورا الى الشرفة لتتمتع بهذا المنظر الخلاّب .
الامواج تتكسر على الصخور والرغوة البيضاء ترتفع احياناً بعلو المنزل . ومن جهة اخرى يبدو الشاطئ الرملي تحميه سلسلة صخور تحيط بعرض الشاطئ .
قالت لورا لنفسها : "على الاقل هنا يمكنني ان اسبح بصورة دائمة ".
ظهر دييجو فجاة وقال كانه قرا افكارها :
" من الافضل الاّ تسبحي الا على الجهة الجنوبية من الشاطئ ,
فالشاطئ الشمالي ملئ بالتيارات الخطرة , افضل شئ هو الاكتفاء بالسباحة في البركة ".
فكّرت لورا :" اليس جريمة ان يسبح المرء في البركة عندما يكون البحر على خطىً قريبة منه ؟
شاطئ تحده اشجار النخيل وجوز الهند المليئة بالثمار الناضجة ".
شعرت بيد دييغو تلمس عنقها بينما ترفع يده الاخرى ذقنها وسالها :
" هل تعتقدين حقاً ان السباحة هي التسلية الوحيدة التي تجدينها في فيلا جاسينتا ,
يا حبيبتي اود ان اقدم لكِ اكثر ... وافضل ...."
وبحركة عنيفة تخلّصت لورا من قبضته وقالت :
" اراك واثقاً من نفسك !".
أجابها بصوت خفيض :
" نعم , اني واثق من قدرتي على اسعاد زوجتي , وعندما اضمكِ بين ذراعيّ الليله ,أعدك بانكِ ستنسين برانت نهائياً ".
فقالت وهي تدير نظرها عنه وتحدّق في الخليج :
"كيف تجرؤ على التحدث بهذه الصورة , انت تعرف جيداً ان هذا الزواج ليس سوى اتفاق ورياء !
يا الهي سامحني لانني ارتكبت صباح هذا اليوم خطيئة مميتة ,
فقط لانقاذ حياة والدي , فقد اقسمت بان اخلص لرجل لا احبه . ارجوك الاّ تجعلني اضاعف خطأي الى .... الى ....." .
جذبها دييغو نحوه بقوة وقال :
" تقولين انكِ لا تحبينني !
اني اشعر كلما عانقتكِ بان هناك تجاوباً لديكِ .
ومن يقول انك لن تتوصلي الى حبي متى اصبحنا زوجين بالفعل ؟".
فجأة خفف من حدة صوته ونظر اليها بلطف وقال :
" اني اسف يا حبيبتي .. ان تخوّفك في محله ,
وهذا شئ طبيعي , الا يمكنكِ ان تثقي بي . اني قادر على اكون لطيفاً معكِ ".
ظهرت جوانيتا حاملة صينية :
" شكراً جوانيتا ".
ثم اضاف بعض الكلمات الاسبانية طالباً من الخادمة ان تفرغ حقائب السيدة .
ولما خرجت جوانيتا من قاعة الاستقبال التفت دييغو نحو زوجته وسالها :
" هل يمكنني ان اطلب منكِ ان تتصرفي كسيدة المنزل , يا لورا ؟".
وبعد تردد قصير , هزت لورا كتفيها واتجهت نحو الطاولة التي وضعت عليها الصينية ,
كانت تشعر بالتعب وبالعطش بعد المسافة الطويلة التي قطعتها في هذا الحرّ اللاهب ,
فلم تشعر برغبة في التحدث مع الرجل الذي بدات تخشاه ,
عليها ان تحافظ على نشاطها وحماسها وطاقتها لانها ستكون في حاجة اليها هذا المساء لتبقيه بعيداً عنها .
ومع ذلك فهي تعترف ان شغف دييغو بها وولعه وشوقه , اضافة الى الديكور الروماني المحيط بيهما , كلها توقظ فيها رغبتها .
ومن حسن حظها . فقد ادرك دييغو انه من الافضل تغيير الموضوع ,
فبدا يتحدث بمرح وطلاقة عن اشياء كثيرة وفي الوقت نفسه كان يحتسي الشاي ويأكل السندويتشات الصغيرة والحلوى بالكريما التي احضرتها جوانيتا .
" هل تعرفين يا لورا ان هذه الفيلا تحمل اسم جدتي ؟".
" لا . لم اكن اعرف ان جدتك تدعى جاسينتا ".
" عندما بنى والدي هذا المنزل , اعطاه اسم والدته ....".
سالته في صوتٍ ساخر :
" ولماذا لم يعطه اسم زوجته "؟.
غاصت نظرات دييغو بتعبير حزين فقال :
" لم توافق جدتي على زواجهما , في الحقيقة يمكن القول ان والدتي لم تستطع التجاوب مع تقاليد البلاد .....".
"وما هو اسم والدتك "؟.
" لورا . لورا دايفيس ".
كأنها تلّقت حماماً مثلجاً .
هل كانت كونسيويلو على حق عن